منتديات الخالد الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

البطل بين الأديب مفيد أحمد والشاعر جابر سلمان

اذهب الى الأسفل

البطل بين الأديب مفيد أحمد والشاعر جابر سلمان Empty البطل بين الأديب مفيد أحمد والشاعر جابر سلمان

مُساهمة  Admin الخميس فبراير 23, 2012 5:48 am


البطل بين الأديب مفيد أحمد و الشاعر جابر سلمان




البطل في وقفته الأخيرة هي القصة التي انتقيتها من مجموعة مفيد عيسى أحمد و التي سميت باسمها .
تلك القصة غريبة تماما" في زمن تتزاحم فيه القصة , ويتراكم الكم أمام قليل من النوع الذي من المفترض أن يكون مبهرا" و إلا ما قيمة العمل القصصي ما لم يكن مميزا" و متجاوزا أساليب الخطابة التي باتت في متناول الأيدي و لعل الكاتب عنون مجموعته باسم القصة لأنه يدرك تماما" أن هذه القصة تحمل ثقلا" اجتماعيا" و سياسيا" إضافة إلى ثقلها الفني المميز, و من الواضح أن الكاتب ذوب كل الأشياء أمام واجبه المقدس الذي يحتم وجود بطل حقيقي ... و ما هذا التهكم الحاد من الأبطال الذي صنعتهم الكذبة و أوجدهم الجهل إلا رغبة جامحة في وجود بطل حقيقي عصي عن الكسر و عصي عن السقوط .
أعادني الكاتب لأقلب في صفحات التاريخ .. لأجد الذين يقدسون الواجب في الصدارة .. لقد مرت قرون و لازال يظهر إلينا الشاعر " كورني " الذي تتمحور كتاباته على الصراع بين العقل و الضمير , أو ربما يتصدى الضمير لكثير من العواطف التي تحتم أحيانا، أن يقف الكاتب أمام نفسه التي تتخاصم مع ذاتها كثيرا" عندما يحتل الضمير الأولوية و المقدمة , و لعل الشاعر جابر سلمان في قصيدته " هزم الموت " يتكلم عن صفات البطل و كأنه لا يرى في هذا الزمن إلا القلائل الذين يتحلون بصفات ترقى بهم على مستوى الإنسان الذي يفرض احترامه كإنسان
الشاعر جابر سلمان يقول في قصيدته :
وطن النفس فالممر بلاء
و اقحم الهول , فالمقر ابتغاء
و إذا لم ترد على الحوض عزما"
أنت و اللاوجود فيه سواء
و من الجبن أن تعيش ذليلا"
و من الغبن أن يكون انكفاء

أما الأديب مفيد احمد يقول : " برز بين ثلة من جنوده ممتطيا" حصانه , مشرعا سيفه مجتثا" الأثير و مرسلا نظرة حادة شماء ماسحا" أسطح الأبنية المقابلة على ذؤابة الجبل الذي يحتضن المدينة " .
نجد أن القصة تجاوزت من الناحية الفنية ما ذهبت إليه في العصور السالفة برغم ما تمتلكه من مواهب استطاعت أن تثبت وجودها في التاريخ , وتمكن الكاتب أن يخرج الصراع من داخله إلى ساحة الحياة و الوجود متحديا" بذلك كل أنواع الشر و هو على يقين أن فكرته المطروحة من قبله ستمر عبر أجيال و عصور لذلك اشتغل على مقوماتها و ابتدأ مباشرة على توصيف البطل الذي وجد بسبب الجهل و التخلف و أعطاه من الفراغ ما يجعله مستعدا ليلقى نتيجة فيها كثير من التحريض على وجود بطل حقيقي .

أما الشاعر جابر سلمان نجده في القصيدة يعبر عن إحساسه الذي أثارته في داخله مقومات و ظواهر تشبه تلك المقومات التي جعلت مفيد أخمد يكتب قصته فظهرت داخل الشاعر اندفاعات جعلته يعبر عن مكنونات أعماقه بطريقة طرح فيه أفكاره و تعبيره بشكل موسيقي يختزل رؤى وأحلام شعب بمكوناته يتطلع إلى رجل أو رجال يحملون تلك الصفات التي توفر لهم الاحترام الذي يخولهم السير في مقدمة المجتمعات نحو ما تصبو إليه .

و راح القاص يصف شعور الجندي الذي وقف أمام تمثال البطل فكان شعورا" مليئا بالإعجاب حيث كاد يصطدم بمدرس تاريخ دنا من النصب و بدأ يثني عليه .. يقول الأديب : " لبرهة حسب نفسه يتقهقر عبر التاريخ سبعمائة و خمسين عاما" " ... صرخ بوركت أيها البطل ... " إلى قوله : " بصوت عال : يارب كأنه الوثاب بشحمه و لحمه " .
و برغم قلة شخوص العمل الأدبي كونه قصة قصيرة إلا أن الكاتب أثار الانفعال الدرامي بغية تحريك العواطف فاستوقف القارئ ليرى مدرس التاريخ تحديداً يصدق الكذبة بعد أن أوجد هو كذبة تاريخية مماثلة وبذلك يكون قد أوحى الكاتب بالهشاشة الفكرية التي يحملها المدرس والجندي حيث تمكن من تشكيل عناصر الدراما والمبادئ التي تجعلنا في حالة عاطفية متلهفة لنهاية الحدث برغم حجم الرمز وأهميته وتقنية التعبير والإيحاء.
ما بغير الإقدام يحيا أمام
أو بغير الإحجام يمضي الوراء
معبر هذه الحياة جسر
و رداء الواردين دين وداء
لقد استخدم الشاعر جابر سلمان مفردات رشيقة في صياغة الحكمة التي أرادها أن تكون دلالة على وجود الإنسان الحقيقي الذي يشكل أمام انهيار الحياة الاجتماعية على مر العصور بطلاً في نظر الأفراد المكونين للبيئة لأنه ثمة نقص يوجد في نفوس أغلبهم فمن المفترض أن يكون الإنسان عزيزا حتى يمتد إلى الله يربطه به كرامة ومعزة وهذا ما عبر عنه الشاعر في قوله:
سنة الله أن تعيش عزيزاً
لك في جنة الخلود بقاء
وهي النتيجة الحتمية التي يبحث عنها الناس فالشاعر يبحث عن بطل بغية وجوده دائماً في أرض الواقع سواء كان من خلال وصفه أو من خلال دلائل أخرى فهو كائن هام نصبو لوجوده .
والقاص يسعى لسقوط البطل الوهمي حتى يكون أو ربما يسعى لوجود البطل الحقيقي وهذا غالب على فكرة النص.
يقول القاص مفيد عيسى أحمد: "وتأتأت له فكرة فهرع إلى متجره، اتصل بأحد مقلدي التماثيل ممن يستخدمون الجبس في ذلك وطلب منه صنع نسخة صغيرة من النصب ليضعها في باب متجره، كما أمر العاملين بالمتجر بلبس زي مشابه لزي البطل" إلى قوله: "كل ذلك لجذب الزبائن الذين سأموا من الدعاية التقليدية وليعلي من الأصالة الوطنية".
وراح الكاتب يكون الأحداث ويمر على بطولات صاحب التمثال عبر التاريخ ويقول عبارته الهامة: "كل هذا والبطل ثابت في وقفته".
لقد أورد الكاتب خلال نصه مؤثرات عاطفية متشعبة على مفارق من الجماليات التي أوجده خلال الحبكة الدرامية التي دارت عليها الفكرة الرئيسية بأسلوب تقريري مضافاً إلى جماليات النص لإسقاط الحالة التي كونها على واقع اجتماعي يبدي تخلفاً كبيراً في طريقة التعاطي مع كثير من الإشكالات الاجتماعية والوطنية والإنسانية فالسنون الطويلة والقرون التي مرت بقي الإنسان يلازمها دون أن يحاول مواكبة عصره فلا زال الكثيرون يشتغلون على عبادة الأوهام التي قد يضطرنا مدرس التاريخ أن نرتكب الجرائم لأجلها وكثير ما يسرق لص منزلاً ويهرب.. فتؤلف جارته قصة وتلبسها حلتها وتصنع منه بطلاً يلتف حوله الناس وتتحرك حوله المشاعر وصولاً إلى ما لا يحمد عقباه، فثمة صدمة كهربائية أحدثها الكاتب لمجتمع عليه أن يشعر بقيمة نفسه المدفونة تحت جدران مهشمة ليبقى اسم الكائنات بعيداً عما يجب أن يكون بعيداً عنه.. فمن يقرأ القصة يجد الوثاب موجوداً في كل مكان في الكتب والتلفزيون والسينما والخطب وسيحرر الأمة ويصفق له العالم، وهو واقف في الساحة تتراكم حوله الأشياء التي يزيلها كل يوم عامل النظافة والنتيجة في ذلك أن المجتمعات التي تسقط في تلك الحفر ل لاتزال تعاني من الأمية العقلية مما يجعلها تسقط أحياناً حتى الانهيار على رماد تاريخ مؤلف من مجموعة الأكاذيب وقد يصل هذا المجتمع إلى المسير وراء هذا الوهم إلى كف عدوه فيكون الانهيار أشد وطأة وأصعب إذلالاًُ، فعندما شعر المجتمع بالخطر التف حول التمثال وبدأت أشياؤه الصغيرة تبدو واضحة .. يقول الكاتب: "هدير الآليات الضخمة تناهى من بعيد وبدأ يقترب .. تناثرت أشلاء وحطام .. اشتعلت حرائق وتصاعد دخان أسود.. إلى قوله : انفرط الحشد" وهذه العبارة يقصدها الكاتب تماماً لما فيها من عبرة علينا أن نقف عندها ملياً .. ثم يقول: "هرعوا إلى ملاجئهم.. والبطل أي التمثال موجود مع جنوده على وقفته شامخاً نازعاً لهجوم فات زمنه".. "ضربت شظية وجهه مفتتة ملامحه غير أنه بقي واقفاً صامتاً مع جنوده تلفهم غلالة رمادية".
استنهاض غريب لهمة الإنسان الضائع يتخبط في الظلام والثقافة تهرب منه لأنه التصق بمرئيات مستمرة تواصلت مع عقله الفقير أمام تعقد الحياة وتآمر الأمم المتكالبة على الإنسانية ليرى نفسه فجأة في ظلام مكون من صحائف ومجلات وشاشات تلفزة تمد لسانها في النهاية ساخرة منه لأنه نام حتى الثمالة مستخدماً نظرية الفائدة بلا جهد والحياة على فتات غيره.
وضعنا الكاتب أمام النفس ذاتها وهي تمارس كل أنواع الضياع ولا تبالي أشار إلى انهيار وأشار إلى الذل وأشار إلى الهوان.. وربما في طيات قصته أن الإنسان بمقدوره أن يكون بطلاً والقمة تتسع للجميع فالمجتمع الهارب كان يقرأ له مدرس التاريخ ويقوده ذلك الرجل الفارغ.
أما الشاعر ارتفعت أمواج عواطفه ليرتفع بالإنسان إلى أعلى المستويات فيقول:
أنا إن غارت النفوس ذهولاً
وتشظى من النفوس انطواء
أو تسامت على الخطوب نفوس
حولها الكون كله أجزاء
فدليلي إلى النجاة كتاب
كل ما فيه للنفوس شفاء
لقد التزم الشاعر خطه البياني العاطفي وتعابيره المؤلفة من المفردات اللغوية في بناء قصيدته حتى يبقى متواصلاً مع القارئ بغية وصول الحالة الإبداعية المنشودة للإنسان في كينونته السامية بعيدة عن الضعف الممثل بغياب تلك الصفات التي يتحلى بها الشجعان وكرماء النفوس.. ثم يحرض على وجود البطل الحقيقي في قوله:
فمتى تنتخي العروبة فينا
ومتى ينتمي إلينا الوفاء
ومتى نستعيد وجه صلاح
وعهوداً يزول فيها البلاء
ويقول:
أنا مهما تقطعت بي ورد
فسيبقى على الزمان انتماء
لقد توازى الأديبان في البحث عن البطل الحقيقي أمام اختلاف الحالة الإبداعية فلكل جنسه الأدبي الذي اشتغل عليه وتبدو حالة الانتماء متشابهة والبيئة الاجتماعية المكونة من أشياء نقية وبريئة التي تدفع بكل واحد منهما للقلق أمام وجوب انتصار الضمير والسعي وراء ثقافة محورها الحفاظ على كرامة الإنسان المستهدف منذ أن وجد الكون، فإذا كانت مقومات القصة القصيرة قد توفرت عند مفيد أحمد مفجرةً بمفرداتها حدثاً إشكالياً يسعى لتغيير تاريخ إنسان ضائع فإن القصيدة الكلاسيكية عند جابر سلمان ارتكزت على موسيقى البحر الخفيف الذي اعتاد شعراء العفة والعنفوان والصفاء أن يتعايشوا معه على ذلك الروي المضموم الذي أكسب القصيدة نبرة عاطفية صادقة.. وفي الخاتمة كان البطل الأصيل والإنسان الكريم هدفاً لكل منهما.



Admin
Admin

المساهمات : 145
تاريخ التسجيل : 02/07/2008

http://alkhaled.yoo7.sy

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى