الـمـشــهـد الـشــعـري فـي حــلـــب
صفحة 1 من اصل 1
الـمـشــهـد الـشــعـري فـي حــلـــب
الـمـشــهـد الـشــعـري فـي حــلـــب
بقلم : محمد خالد الخضر
الشعر : هو ذلك القيمة الموجودة في أرواحنا و ضـمائرنا و عقولنا من خلال الحياة الإجتماعية التي تدفعنا لمعايشة بعضنا بعضاً ، و هذه القيمة و التي هـي في النتيجـة انفعـال وجداني مليء بالمفارقات و المكونات التي من شأنها خلق الأثر المنعكس في نفوسنا ، و لا بد أنها كمـا نـدرك مـكـونـة من شكل و مضمون في وحدة عضوية لا تتجزأ مثل الواقع الفني المتضمن حياة فنية سببها ذلك الانفعال الصادق الذي يعيشه الشاعر بعد الفعل المتبادل بينه و بين موضوعه في روحه المجنحة .
يبقى انا اذهب كما أنا أقصد على مكنونات هذه الحالة في مدينة حلب حيث مشهدها الشـعري بـادلـنـي الكثير من الوجـد و المثاقفة و المحبة بكل ما يملك من مختلف الأنواع و المكونات لأتحدث قليلاً أو كثيراً كما تسمح لي الظروف عن بعض الشعراء الذين وحدتهم الساحة المكونة من مديرية الثقافة و اتحـاد الكتاب العرب و بعض المنابر الأخرى .. أو الصحف كالجماهير مثلاً .. و أعتقد أن عددهم لا بأس به تعرفت إلى معظمهم و قرأت لآخر .. في ذاكرتي و عندي منهم جلال قضيماتي الذي تميز شعره بالنزعة الوجدانية و الهم الاجتماعي تطول المسافة عنده ليكتب بالطريقة الكلاسيكية و التي تجزأ منها نوع مهم هو التفعيلة يغلب عليه الهدوء و يملئ دواوينه الوقار ، يغوص في بحور الشعر التي يحسن للقارئ التعامل معها ـ له عدة دواوين ، أقطف من أشعاره :
وطنٌ تسوّر بالبنفسج فانتهى الزيتون في وادٍ بلا زرعٍ
تغرّب ... فارتمى
يمشي وراء اللاهثين
وطنٌ .. كان على ركاب جواده طيفاً
بلا وجه ٍ .. بلا خلدٍ
يمرّ كانه نقع .. لكن من صحاري الضائعين
ـ أما عبود كنجو : هو في ذاكرتي لأنني أذكر أنه فاز في جائزة أبي العلاء المعري .. كنت آنذاك في لجنة التحكيم ، و عندما كشفنا عن الأسماء فوجئت بروعة قصيدته ينتقل بشعره إلى عوالم الإثارة يغيب في الفضاء .. دون أن يحدد مدى لمعانه .. يفاجئني القارئ كما يفعل الساحر تماماً في قوله :
تشققت شفاهنا من العطش ... فيا خميرة التراب ..
حضورنا اغتراب ..
تتفاعل القصيدة بين الجراح و الغربة لتنفجر الموهبة مكونة أبعاد الشعر على أوتار الموسيقى العذبة .
و الشاعر تخدعه موهبته فلا يتمكن من تقمّص الجبروت و لا القوة .. يشتعل بكاءً أو فرحاً لأي شيء يصادفه .. تمرح الأطفال و الصبية في دمه كمكوناته .. و يطلع العشب الأخضر من عينيه دون أن يدري .. فالشاعر محمد زينو السلوم من رآه و هو في عمله يملأ ساحة التدريب رعباً .. تعالوا لنرى كيف تفعيلة ( متفاعلن ) تأخذه من يده كطفلٍ في سنواته الأولى يتبرأ من الضغائن و يفرّ من الظلم ليقول :
أ لأنني أشعلت جمر العمر .. فرّ الوقت مني ؟!
لا تجرحيني بالظنون .. قلبي نوافير احتراق
و الشاعر محمود علي السعيد يسكن الهم و المخيّم و فلسطين المحاصرة حتى النخاع تفور من بين أصابعه كما تفور البراكين ، و تتلبس وجهه المعبأ بالحصار و يمرح بين العناء و البكاء و الدماء فتخرج قصيدته من عيون النوارس له قصيدة محمد أبو صلاح :
تطير العصافير وجهاً لوجه .. أمام سياج الحضارة
أحلّت لكم جيفة ناوشتها الكلاب ..
أحلّت لكم رقعة من نسيج الفضاء
تغافلها طلقة في الجدار
و الشاعر مصطفى أحمد النجار : ذلك الذي ترفرف روحـه في فضـاءات الـوجـع بين مآسي المحتاجين و وجع الشمس المدماة كأنه لا يقصد و بالطبع لا يتقيد فتأتي قصيدته مموسقة مليئة بأملاح البحار المتبخّرة لتصبح سحاباً يعود مزناً سائغاً يقول :
آتٍ إليك .. فسلسلي نغمي
لا تتأففي .... صلي معي لله نبدأ
في بناء هويّةٍ ... ها .. نسقها من طين أوراد البلاد
و انا أتكلم عن الشـعر في مختلف ما قيل عن تعاريفه و أوزانه و اتقانه و قوالبه و انفلاته .. يأتي الشاعر محمود محمد أسد و يختلف عن اقرانه في صياغة قالبه الشعري .. فكل واحد يختلف عن الآخر حتى تتجمّل باقة الورد .. و يكاد يقول : الشاعر كل شيء و العالم ظله و أنا لأختلف معه يقول في قصيدة الشاعر :
يا شاعراً نسج الجمال قصائداً صاغ الحروف مشاعلاً و فرائدا
في كل حرفٍ زفرةٌ من بوحهِ تحكي الحكايا و الهوى المتصاعدا
الشاعر عصام ترشحاني : تميّزت قصيدته التي لا تبتعد عن التفعيلة بالرمزية إلى حد اختلفت فيه عن القصيدة الموجودة في المشهد الثقافي في حلب أن تميّزت بالاعتدال له :
في الفجر .. و قبل بزوغ الفلّ ، تماماً بعد
ظلام الشفتين
كانا يغتصبان الغابة من أوسطها ثم كمن يخلع في الظلمة
ظل الآخر ، غابا ، لا شيء يدلّ على الاثنتين
الشاعر المأمون قباني : هو آخر يشتغل على قصيدته بين هواجس الليل فتخرج من فم السماء كاغاني الملائكة معبأةً بالطهر و مزينةً بدم الشهداء له :
ألقت بيارقنا الرفيف .. على السواري ..
و استكانت سنبلات القمح .. في صمت السهول ..
قم يا محمد للشهادة .. من جديد .. أوقدِ الألق المضرّج .. بالذهول .. !
الشاعر أحمد دوغان يقول :
تغرّد وجهاً لوجه ..
نوارس كانت تسافر حيث أشاء الرحيل
و تكتب في السرّ أني أغني .. و تتصل الأغنيات ..
و برغم ما يمـلأه من الـم و وجـع ينتصر في قصيدته على العجز و القهر و الشقاء ، ليخيّل إلى قارئه و سامعه أنه ثمّـةّ بلبل يغني فيُسمِع المرء ما هو عفوي .
الشاعر مأمون جابري : خرج قليلاً من عباءته ، فهو كاتب قصةٍ و مطبوع بذلك إلا أن الشعر غدّار يفتك بالصدر و العواطف و يخرج عنوةً .. بيد أن مامون خرج عن الأنظمة و تجرّد من الأسس ليعزف على أوتار روحه قائلاً :
لا تتركيني وحيداً إذا هلّ المطر
انتظري انقشاع الغيم
لأراك .. كما أرى في ليلةٍ مضيئة وجه القمر
الشاعر زكريا مصاص : لا شيء يـمـنـعـه مـن الـفـرح فهو يحب كل الناس ، طـيـّب كالسـماء و هو شاعرٌ كوجه قريتي ، الفطرة تغلبه تماماً يقول :
يمارس فرحته و الريح السائح يحضن أبناء المغتربين
في آخر بقعة ضوءٍ يقف ليسهر مع أشـواق المنسيين
و القمر الفتان .. بعباءته جذلان ..
أما الشاعرة بهيجة إدلبي : تذكرني بنزار قباني و هـو واثـق مـن نفـسـه حـتـى أنـهـا تـشبهه كثـيـراً فـي تـطـلـعـهـا و تكـتب قـصـائـدها فـي نهـاية الأحـلام ـ فها هـي تـقـول :
لو كان البحر مداداً لقصائدي ..
لنفذ البحر قبل أن ينفذ ما أريد ..
كما أن هناك مجموعة من الشـعراء الذين كتبـوا الشـعـر الحديث و منهـم مـن كـان موفقـاً مـثـل الـشـاعرة ليلى أورفلي التي كتبت الشـعر الرمـزي و بيانكا ماضية و أحمد مشـول و وفـاء شـربتجي و ليـلى مقـدسـي كـمـا أن الشـاعـر عـامـر الدبك يمتلك موهبةً حسـنة ممـلوءة بأحـزان الريـف و المـدينة .
و هناك شـعراء يتمتعـون بكامـل الموهبة و هـم غائبـون عـن المشـهد مـثـل عدنـان خطـيب و مضر سخيطة ..
و مـن قصـائـد هـؤلاء نتـبـيـن أن الـعـلاقـة المـتـمـيـّزة للشـعر تنشـأ القصـيدة بـيـن كلمـة و كلمة ، أو عـبارةٍ و أخـرى .
و القصيدة هي حركة الزمان و تأثير المكان في عـواطفنا ، و هناك شكلان : شكلٌ ألي الحركة في المكان ـ و شكلٌ جدلي الحركة في الزمان ، شانها شأن الورد تتشكل و تنبت .. و بـاقـة ورد في حلب بيـن مـديـريـة الـثـقـافـة و اتحاد الكتاب الـعـرب و عبير الشهباء بكل الحب .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى