منتديات الخالد الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دراسة في مسرحية , تحولات عازف الناي للدكتور علي عقلة عرسان

اذهب الى الأسفل

دراسة في مسرحية , تحولات عازف الناي للدكتور علي عقلة عرسان Empty دراسة في مسرحية , تحولات عازف الناي للدكتور علي عقلة عرسان

مُساهمة  Admin الأحد يوليو 06, 2008 4:37 am

دراسة في مسرحية , تحولات عازف الناي للدكتور علي عقلة عرسان
بقلم: محمد خالد خضر

من نيران الاحتراق الملتهبة و خواء اللحظات القاسية تتباعث ألسنة النار والشقاء أشجاراً باسقة , و من احتراق أحلامنا و انكساراتها يخرج لحن ناي من أعماق الإنسان فيه معانيه و مكونات آلامه... ينطلق من نبض التكوين إلى عالم مليء بالأسى والمتفجرات والألغام .. مليء بالمتناقضات ، بالحقد والدمار .. وبالخير والحرية .. والإنسان
يختلف المفكر علي عقلة عرسان عن كثير من المسرحيين في صمته وفي صراخه ، يستخرج
مادته دائما من الألم مرورا بثقافته التي تحتوي في مكنوناتها مواهب متعددة ، لا يقتنع بالاقتباس
ولا بالتمرير ، المسرحية يجب أن تكون حالة إبداعية ، ولم يكن كاتبنا صنيعة إيديولوجية ولا
ميليشيات ، فهو الذي خسر كثيرا لأنه لم يقع تحت تأثيرها حتى لايقايض بوطنيته وكرامته ،ولم يكن كسواه يرغب بتصفيق الآخرين على فراغ لامعنى له ، فمن لايعرف على سبيل المثال أن مسرحية ( الفيل ياملك الزمان ) هي حكاية شعبية موجودة في أريافنا فجاءت كما هي مع تغيير لبعض الشكليات في مضمون لم يتغير وبرغم ذلك أخذ الأضواء والتصفيق .
وظل علي عقلة عرسان يرفع همه إلى الأعلى ملتصقا بهموم الآخرين مدركا وطأة الموقف وفداحة النتيجة فليس بمقدور الابن أن يتخلى عن أبويه ففطرة الإنتماء كامنة بالدم تهدد بالإنفجاركلماحاول المرء أن ينظر عكس الاتجاه .
تحولات عازف الناي: إشعاع مد ينطلق من أول ومضة نبض إلى آخر شهقة حياة ، فمنذ اللحظة الأولى تأتي صورة النافورة وما يحيط بها .. صورة الحياة المثالية بهدوئها وأشجانها وصفائها وذكرياتها..
نبدأ من نقطة الوعي واللاوعي وتداعيات التذكر ووجود اللاوجود ونمر عبر واقع ما "ألسنة ودخان ونباح كلاب وصرخات رجال وأزيز رصاص وأصوات حشرجات جرحى على شفاه الموت . ولهاث وجنود وإختلاطات إنذارات سيارات متلاحقة ويبدوا من أضواء كاشفة ..." ، ونوغل في عالم العطش والتصحر .. تصحر الإنسان عبر الموسيقى الصاخبة الضائعة في صخب وضجيج المدينة ( الغول ) التي تبتلع وتلتهم كل شيء، وتحوي كل شيء.
إنها تهديد للحضارة والحداثة ن، وتشويه وضياع لها في رمل التمدن والتصحر.
ننطلق إلى (الرجل ) ومن ( الرجل ) ذلك الإنسان المعاصر الذي هو إبن الشعب المهدد بالموت والفناء .. إنه حلم يذوي وينسحق وهو يبحث عن نقطة ماء ....
والعطش الذي هو رمز الواقع الإجتماعي الطالع في سراب ليبتلع الحلم ، أما السراب فهو الحسناوات اللواتي يعشن حياتهن بريقا وسرابا لايصله ( الدراويش ) .
هذه الحيات تبدو جافة إن لم تباركها سيدة الخصب ( عشتار ) ، والمعاناة تكمن في البحث عن (الماء والنور والحياة والجمال ) كما يقول عرسان : الجمال الذي هو أنت .
وفيما يتعلق بمسألة الانفصام عن الماضي ( التذكر ) يطرح عرسان مقولة هامة ذات جدل : لماذا يتذكر الإنسان المفازات المظلمة في حياته مادام هو في أحضان الحياة والنور والجمال ؟ . وماذا تفيد تلك الذكريات ؟ وهل هي ذات جدوى .. ؟
ورحلة ( الرجل ) تذكرنا برحلة / جلجامش / في البحث عن الخلد . لكن /جلجامش / ثلثاه كانا في مادة الآلهة الخالدة فقد استطاع أن ينجو بنفسه عائدا إلى الحياة . فهل استطاع ( الرجل ) وهو من مادة البشر الفانية مع من معه الخروج من كهف الصحراء والانتصار على الفناء.. ؟ !
الرحلة بدأت من لحظة التكوين الأولى .. من ( كتلة لحم مغموسة بالمرارة والجهل حتى الموت وتنزبا لنزوات إلى الحاجة إلى الماء والنور والمرأة ) .
إنها أدوات الحياة البسيطة ، فالعازف (عازف الناي ) و( الرجل ) رمز الحياة البدائية الأولى منذ لحظة التكوين ، و ( الناي ) رمز تداعيات الوعي و اللاوعي في الحياة ،والخنجر والماء سلاح ضد الغربة .
شاعرية الأديب علي عقلة عرسان تبدو جلية من خلال تأملات الرجل و غيره من الشخصيات و تداعياتهم أثناء العزف . هي الشاعرية المرهفة التي تكشف عن زيف الأشياء بدءا من أول نبضة عبر الوقت مروراً بطوفان المد و انتهاء بالحلم عبر معاناة أليمة تظهر تغرب الإنسان وضياعه بين أنياب التمزق و الخوف و الضياع في زمن انعدم فيه الأمن و تكشفت المخالب البشرية مداً يهدد وجود الإنسان .
و يتحدث عن علاقة الإنسان بالزمن ... فلزمن هو كما هو لكن الذي يتغير هو الإنسان, وهو الذي يملك وسائل التغيير و التغيَر, و القادر على الرؤيا و الرؤية. لكن (هل الإنسان هو الذي يشكل الزمن أم أن الزمن هو الذي يشكل الإنسان..؟ !. ) . الزمن بما فيه من وحشة و فراغ وظلام و ترقب .. و وفق هذه المعدلة فالعذاب ينقسم إلى: عذاب الحلم و عذاب الواقع.
و متجسدات الحلم و الواقع بدورها تنقسم إلى حياة الروح و حياة الجسد. و الترابط وثيقا بينهما و كلاهما يكمل الآخر في السير نحو الخلود و بلوغ الأمل المنشود.

إنها رحلة البحث عن الذات , والوجود في حياة تغص بالتناقضات و الزيف , و لكن إلى أين ؟!.
في الفصل الثاني تنقلنا المسرحية من عالم المثل إلى عالم الواقع (العالم المادي) , و كما توجد في عالم المثل تناقضات و انهيارات و مستنقعات , كذلك عامنا هذا , فساحة المدينة و مافيها من ألوان اختارها الكاتب (برتقالية و حمراء) كلون الدم و مع أنها براقة لكنها تحمل رائحة القتل المادي و المعنوي بكل أشكاله .
هذا العالم مليء بالخداع و النفاق, و خال من الروح (فالبشر تظهر كأنما هم أقرب إلى الأشباح أو الصور المتحركة أو الأشخاص الآليين)!.
الأبنية الحكومية أيضا تظهر فيه محاطة بالحراس و السلاسل الحديدية و الجور و العسف المبطن بمظاهر التمدن ...
إنه عالم مكبل بالأمن و الحراس و التجار و الفنادق و الملاهي و المراقص...
في هذا العالم يسقط الكاتب حلمه (صديقيه العزف و الرجل). فما مصير الحلم في هكذا عالم؟!.
بالتأكيد ستكون الصدمة قاسية و المعاناة كبيرة .. إنها الصدمة التي تتجسد في /ضياع الإنسان هنا و الشعور بوجوده هناك/ .
ضياع الإنسان يبرز بشكل قاس و مرير , فالإنسان هنا يفهم بشكل غريزي فلا يرى إلا لحما و دماً و شهوة و غريزة و قد سقطت عنها القيم و تمزقت فيها الإنسانية .
إنه العالم المليء بالتجار و الحروب وتجار الإنسان .
و المرأة هنا تختلف عن المرأة هناك , فهي روح و خصب و جمال هناك , و بائعة هوى و غرائز هنا , وقد سلب منها كل شيء إلا الخوف فبدت بلهاء .
و ا أصعب أن يعيش "يموت" الإنسان غريباً في أرضه و في مدينته التي تغيرت قيمها و معالمها و فتخت أشرعتها للقتل و التدمير و المتاجرة بالقيم و بالحلم و بالإنسان , وليس فيها إلا صخب المراقص , و لا مأوى إلا في أحضان نساء الليل و الفساد الذي يتبادلونه كتبادل السلع .
في هذا العالم , أو هذا العالم مبدئياً كان نقطة التحول الأولى ل "عازف الناي" , فقد انقلب إلى آخر , من عازف رقيق إلى شخص عادي يتكلم لغة السوق و يضيع و يتلوث و يهرب و لكن إلى أين تهرب الأرواح الطيبة ؟!
التحول الثاني لعازف الناي يتجلى من خلال إرجاعه إلى حالة السكون / عدم الإحساس بالإنسانية و بالقيم .. و ما هو إلا جسد تافه يأكل و يشرب و يلبس قناع الإنسان في النهار .
و هكذا يطول الضياع ليفقد الإنسان كل شيء حتى زوجه , حيث يقول العزف عن زوجته : جسدها في البيت و روحها في مكان آخر . لاجسدها ولاروحها معي .
إذا , فالمحور هو نفي الإنسان و غربته واحتراقه بنارين : - نار تتأجج في عمق الإنسان تريد أن تحرق كل شيء و تضيء الظلام . و نار في العالم المزيف تحرق الإنسانية والإنسان .. ! .
إنها حالة السكون و اللاسكون .. ! و ما أصعب أن يعيش الإنسان بين المتناقضين مراقبا لا يستطيع التأقلم مع الحاضر و لايتمكن من العودة إلى الماضي . بل لايستطيع التأقلم مع عالم مبهرج , و لاالعودة إلى عام المثل ... عالم الإنسانية ... ذلك ترجعنا المسرحية في بداية الفصل الثالث إلى المنظر الأول / النافورة/ و الوقت هو قبيل الفجر أي مخاض الفجر .
العازف متخف .. و الرجل يتداعى مع ذكرياته ..و هو طالع من رحلة تعذيب لأنه لايعرف المديح والإطراء الكاذب و في داخله ثورة على الفساد . .. فهو متهم بالعصيان و الإجرام ويطالبونه أن يعترفا بكل هذ1 دون أن يقترف شيئاً , فهم سوف يظهرون بثوب الإخلاص من خلال هذا الرجل على أنهم يعملون من أجل العدالة و القيم .. و يظل الرجل بين ظلامين ظلام المكان وظلام التذكر .
الظلام هنا أوحى له بكل مارأى وذاق في الزنزانة فيرتعش ليرى" الحلم" طيف المرأة التي سقته في البداية .
لكن الأشباح المحيطة بها جعلتها تهرب فالأشباح سرقت منه كل شيء , فليس سوى أن الإنسان بدأ بالانتهاك منذ وجود آدم !.
و ماالفائدة من التدقيق بأفعال فلان و سواه فكل شخص يحمل هويته و ماهيته عبر التاريخ و يقوم بدوره . وقد نتبادل الأدوار فيغدو الجلاد ضحية و الضحية جلاداً,,, إذاً الإنسانية و الحياة قناع كاذب ... هكذا يتراخى الرجل . لكن أعماقه مستيقظة تسمع لحن الناي الحزين يتعالى حاملا معه الفرح و العذاب و ضياع الذات و ضياع الماضي و الآتي .لكن /لابد من أن ينبزغ فجر فيه قلب الإنسان هو السيد/ !.
و عملية ارتقائهما إلى الجبل هي عملية ولادة الأمل /لقد اغتسلنا معا بالنور و اللحن و الكلام .. أشعر بأنني أولد معك من جديد / .
و مع ذلك و بعد الاغتسال و التطهر تتشابك الخيوط لدى عودتهما إلى مكانهما من قمة الجبل و نباح الكلاب التي يتهيأ "للرجل" أنه يسمعها تعكر عليه كل شيء . حتى عندما استدعى والده وحاول أن يستعيده كانت التحذيرات تقض مضجعه و تمزق كيانه إنها التحذيرات من الرؤية المزيفة و من عين السلطان – مع ذلك فصوت الكلاب يعود من جديد يعيده إلى رشده و أشجانه و تشابك الأشياء فيه .
و تستمر المسرحية بعرض غربة الروح لكن صورة الحب لاتمحى مع أنه حب أضناه التغريب و أوجعه البعد و برحه الشوق و الضياع .
فالعسس بالمرصاد لكل خلجة روح و حب و نبض تقودهم كلابهم ليتحروا كل الأمكنة وكل التاريخ ...!
الرجل و العزف و المرأة مثلث متساوي الأضلاع يحمل رسالة العدل و الحرية و الحب في جو مشحون باليأس و السماسرة و الكلاب , وتنكر للقيم في زمن أضحى فيه الحب عارا و العدل ظلما ... في زمن حرم على الإنسان أن يهرب فيه حتى من الموت فالكلاب و الصحراء و المحقق و الجلاد بالمرصاد .
وفي خضم هذا يقل الأب أمام ابنه بعد أن يضرب و يهان و يعذب ..! . و تنتهك الزوجة أمام زوجها و يضرب الزوج أمام زوجته و أهله وذويه و يركل و يجر و يجلد ..!
أم العازف فهو مجرم لأنه أنقذ روحاً من الموت . فقد أيقظها بعزفه و أيقظ المشاعر و الأعماق و التلاؤم مع الذات فيها مع ذلك فهو مجرم عكر صفو الأمن . !. .. و كذلك المرأة تدان لأنه رعت و أطعمت زوجها و كانت إلى جانبه في محنته .. فهي مجرمة و متسترة عليه ..!
و الصدمة أن الرجل /خالد/ هو من عامة الشعب و قد هرب من معتقله في الصحراء و المرأة التي ساعدته ليست إلا زوجته /إنعام/
و كذلك العازف يبحث عن قيم الحرية .... و أخيرا تستطيع الكلاب أن تقبض على الجميع في الكهف و يقادون إلى المعتقل من جديد و يرمون بزنزانة ألفوها من قبل ينتظرون الموت ...
و لكن الرسالة لن تموت و الصوت باق و اللحن لايموت إلا إذا مات المستقبل و يبقى سؤال على لسان الثلاثة دماً لايجف : - لماذا نموت ..؟
فالمسرحية عمل ضخم و جريء يجسد صراع الخير و الشر و تكشف مأساة الشرفاء في تنامي للحركة العاطفية و الدرامية مبتدأً على عقلة عرسان بالرفض لكل ماهو باطل و رديء .. في شخصيات نابضة بالحياة و لأحداث التي تجعله الحبة الدرامية في أعلى درجات التشويق و الإثارة لمتابعة الحدث من خلال المفاجأات و إدخال الإنسان في معادلة صعبة لطرح على نفسه لماذا أنا أموت و أنا أمتلك كل أنواع القوة .
المسرحية بعيدة عن الإنشاء و المباشرة يتجسد فيها الوعي و الإحساس بأداء فني قل نظيره في زمن انهزام المسرحية ولجوءها إلى الميليشيا و السرقة و الاقتباس .. و هذا ماتمكن عرسان أن ينفد منه تماما وإن لم يكن بمفرده فالأبرياء قلة وليس صعباً علينا أن نقدم دراسة لمسرحيات كثيرة مسروق أو مقتبسة .
ومن الملاحظ أنه تمكن من توظيف أشياء المسرحية قاطبة في خدمة العمل الفني ليخلص نفسه من أي اتهام لذلك و ليس غريباً علينا أن نرى أن أصحاب السوابق حاولوا جاهدين إحاطة مسرحيات الأديب و المفكر عرسان بالعتمة و الإجهاض حتى لا تكون سبباً مباشرا وسريعا بإبطال زهوة الكثير من الأعمال .

Admin
Admin

المساهمات : 145
تاريخ التسجيل : 02/07/2008

http://alkhaled.yoo7.sy

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى