منتديات الخالد الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دراسة نقدية في ديوان مشاهد على رصيف الهذيان لـ : الشاعر الدكتور أحمد الدريس

اذهب الى الأسفل

دراسة نقدية في ديوان مشاهد على رصيف الهذيان لـ : الشاعر الدكتور أحمد الدريس Empty دراسة نقدية في ديوان مشاهد على رصيف الهذيان لـ : الشاعر الدكتور أحمد الدريس

مُساهمة  Admin الثلاثاء يوليو 08, 2008 4:02 pm

دراسة نقدية في ديوان مشاهد على رصيف الهذيان لـ : الشاعر الدكتور أحمد الدريس
بقلم : محمد خالد الخضر
مشاهد على رصيف الهذيان : قصيدة شعرية طويلة تشبه في مبدأ كتابتها شعر المعلقات ، و تناما و تسامى فيها الشكل و المضمون على أنهما وحدة كاملة لا تتجزأ تمثل واقعاً فنياً و سياسياً و اجتماعياً يتضمن في الضرورة حياة انفعالية عاشها الشاعر نتيجة تفاعـله الطبيعي الصادق بإحساس الموهوب و بمعاناةٍ أحـدثت التفاعـل بين ذاتـه و موضوعه الذي أنتج هذه القصيدة .
و أحمد الدر يس ذلك الشاعر البدوي صقلته ثقافته و ثقافة البادية و شمس الصحراء ، و سنابل القمح ، التي جعلت أشياءه تتناثر أحياناً و أحياناً تتوحد ليكتب القصيدة و يصرح بأعلى صوته : (( إنه بدوي ـ أناخ جمال الجراح ـ على ساحة من دم ـ فاستطالت بلاد من الريح في صمته ـ مد أحلامه في الفراغ ــ رمى رمحه من أعالي الخراب ـ ثقوب عباءته مشهد تتداخل فيه حروب موثقة فوق رمل الجزيرة ... )) .
لا أدري إذا كان الشاعر في قصيدته فكر كثيراً أو قليلاً إلا أن من الواضح أن الموهبة متوفرة لديه تماماً ، لقد خرج من الإطار التقليدي في بنية المقدمة الشعرية الدالة على مدخل القصيدة المشتعل جمالاً و رونقاً ، فكلنا يسعد بمقدمة أي قصيدة يقرؤها فيستمر أو كثيراً ما نلقي بالقصيدة جانباً إذا كانت شائكة المدخل متهرئة البداية ، كما تورط الكثيرون من شعراء الحداثة و منهم أصحاب أسماء لامعة فلجئوا إلى طعن أنفسهم و تراثهم حتى ينالوا قليلا من الرضا و هذا الرضا كان بعيداً عن أهلهم و ناسهم ، بيد أن الدر يس نتاج الموهبة الممتدة إلى هناك حيث كتب لبيد و عنترة و امرؤ القيس و سواهم ، دخل من باب القصيدة إلا أنه آمن أن الولد يجب أن يتطور عن أبيه ، حتى تكون الحياة مليئة بقليلٍ من الحضارة ، و استخدم ( البدوي و الجمل ) لأن حـدث الشاعر أو اكتشـافاته المفاجئة و اللامعة و التي تعبر عنه المعادلة الموسيقية المتآلفة مع القصيدة و إذا صح التعبير الفكرة و بنية الموضوع يجعله دون أن يدري يعترف بآبائه و أجداده و انتمائه اللا قليل ... غير أن الكلمات التي يسـتحضرها و يستلهمها تمتلك تداعيات تحمل عقلاً راجحاً وراء الصوت الـذي يوصـل القارئ أو المتلقي إلى صـورة مرئية و فكرة مجردة تنسكب بين الجراح مهدهدة آلام العصر المتردي ، و استشهد بمقطوعة :
( ... قال من أنا ؟ و بكى حتى أجابه الرمل : أنت تلك الفصول ــ و العبيد ــ و الهراوات اللاذعة ــ أنت سيد الصعاليك الذين يسرقون ذهب الشهوة من جلود السبايا الجميلات على الصدور اللاهثة ـ يدقون طبول الحرب للهزائم القادمة ــ و يرفعون الرماح ــ حتى تاريخ إعداد هذا البيان القديم .. ) .
إشارةً إلى أن الشاعر وحد بين جرس الكلمات الموسيقي و الفكرة ، و أعاد الكلمة إلى عقلانيتها ، في علاقة جدلية بين كل الأطراف المكونة للقصيدة ، و المترتبة أساساً على ذات العلاقة مع الجمهور ، و هذا ما حرص عليه كما أسلفت خلافاً لكثير من الشعراء الذين يكتبون اليوم و الذين أخرجوا القصيدة من جديتها ، في وقتٍ كانت كمـا قيل و أثبت أنها سجلت تاريخ الأمة و مفاخرها و أفراحها و أحزانها في حناياها إلى يوم لا يدركه إلا الله ، و لطالما احتفظ الدر يس لموهبته باحترامها ، و لم يشتغل على تشويهها ، كانت شـاهداً أمينـاً على جـرح الأمة العربية و التي أراد لها أن تبسط قليلاً من نزفه و أوجاعه في رحاب و مدى قصيدته التي هي بين أيدينا و تحدثنا عن بعض أشيائها ابتداءً أو مطلعها و يتابع قائلاً : ( ... أيها الناس انظروا ــ إن الستارة ترفع ــ ها هو ذا التصفيق يتعالى ــ و الممثل العاري ــ يدخل على ظهر زبيبة ــ و عنترة في المضارب ــ يجفف لعابه حين ــ يفيض صدر عبلة باللبن المعسّل ــ آه يا هذا البياض الذي يكتنز الحرية و يقتل العبيد ... ) .
و هذا المد القومي و الألم الوطني البعيد و القريب خرج من إطار نظرية ( الشعر للشعر ) برغم امتلاكها للقيمة الذاتية ، إلى الوصول إلى قيمة خارجية لنشر فضيلة و عواطف مع أسمى الحفاظ على شاعريته من الداخل و القيم الجمالية المرتبطة بالتجربة الاجتماعية و الشعرية ، و نظراً لتمكنه من ثقافته و موهبته فقد خالـف الكثير من النقاد و من دعاة الشعر و النقد و لم تتزعزع ثقته بنفسه ن و يحضرني ناقـد و محاضـر و مفكر اسمه ( برادلي ) الذي يقتضي تفكيره و قوله : (( بأن الاهتمام بالمحيط الخارجي من قبل الشعر و الشاعر و هو في لحظة المخاض الشعري و الكتابة ينزع إلى خفض سوية القيمة الشاعرية .. )) ـــ ثم صرح ( برادلي ) قائلاً في الشعر :
(( إن طبيعته ألا يكون جزءاً من العالم الواقعي و لا نسخةً منه ))
أما الدر يس عاكس برادلي و مؤيديه الكثر : الشعر يجـب أن ينسجم مع الظروف و المعتقدات و الحالات الاجتماعية .. و هذا ما أثبته التجارب الشعرية العربية التي من خلالها عرفنا البنية الحياتية لأغلب المجتمعات العربية و أحياناً الأجنبية .
و وجد الشاعر نفسه منغمساً بالحالة التي يعيشها ناسه في وطنٍ امتد من الماء إلى الماء .. و ليست بعيدة هـذه الحالة عن لقيط بن يعمر الأيادي و النابغة الذبياني و كعب بن زهير ، حيث كانت القصيدة وحدة تربط بين مقوماتها و مجتمعها .
و لا بد للقصيدة أن تكون في وجودها الروحي الذي يجعل الشاعر مسئولا بشكل هام أو في طليعة المسؤولية عن القضايا التي يؤثر في كرامة أمته بإدارته و معرفته و شعوره و عقله المتنور بمقومات موهبته ليجد حاله في أوج متهته المترتبة على قمة الكبرياء ، و ما نقده و هجومه و إطلاقه الرماح على أماكن التراجع بين قومه و ناسه إلا غيرة ما بعدها غيرة على بقاء قومه في أبهى الأماكن بين أقوام متكالبة على تقاسم أفراحنا و خيراتنا ، يقول :
( .. صفق الجمهور ــ هو ذا زهير بن أبي سلمى ــ يلقي قصيدته في الكونغـرس القبلي ــ يدعـو عبسـاً و ذبيان إلى مائدة المفاوضات دم بدم ـــ لا شأن للأمم المتحدة بكم ــ ادفعوا الديات مـن صـادرات النفط أو من وفورات الشهوة و الرقيق .. ) .
فهو لا يقبل أن يكون وجوده في اللاشيء أو يحيط به البهتان ، و لا يقبـل بوجـودٍ منعـزل على حافـة الانهيار و التسكع و السكر و العدم بل جعلته الإرادة و الموهبة في عمق الجرح ليعمل قصيدته بطريقة تجسيمية في خضم القلق الذي هو من ابرز خصائص الشاعر ، القلق المنطلق من حلم مهدد تخرج منه المادة الإبداعية بكامل البـراءة و الصدق بعيداً عن كل أنواع الخوف و التسلط في طرحٍ غير موجود ن و حـتـى لحظـة القصـيدة لم يتحقق و القصيدة كما أتى بها الشاعر احمد الدر يس بحاجة إلى وضوح و نور و حب سعياً لمحو ( الميتافيزيقا ) ليكون الشعر مؤثراً أو محققاً شيئاً من مبتغى الإنسان المقهور و ربما خالف الدر يس كثيراً من القادة و المنهزمين من الحقيقة إلا أنه وافق المبدعين مثل ( بول فاليري ) .. و من حالة الدهشة و الانبهار عاد الشاعر ليعيد اندماجه في وحدةٍ مقدسة بحضور الأشياء المكونة لمادته مختزلاً ما أراد باحثاً عن أحلام المحتاجين ليعطي إذا شاء له القدر أرضه و ترابه كثيراً من الحق .. من الكآبة عاد ليصرخ في وجه العبودية التي تحاول أمريكا و زبانيتها فرضها لإعادة الوحدة المفقودة و الفرحة الموءودة في مادة قابلة للقراءة و التداول و السير مع الزمن إلى الوراء و إلى الأمام و إلى كل الاتجاهات القياسية المرسومة لإنساننا المقهور و المحاصر حتى نخاعه ، و يسـتمر فـي قوله : ( باحثاً عن أبيه الذي صلبوه على حجر الحلم ــ فامتد حقلاً و خارطة في جدار الهواء ــ إنه البدوي على فمه مات حنظلة بن ناجي العلي ــ و مات الكثير من الحالمين بخبز و عز كثير و خمرٍ و ماء .. ) .
يريد أن يعود إلى الوراء للاندماج في الوسط الذي انبثق منه كما يريد المعرفة و التجديد منطلقاً من الهم الإنساني حسب متطلبات المصير بالحتمية التي لا بد منها ، هي لحظة المخاطرة و المناورة ليسكن الطبيعة الإنسـانية فـي حاسمة التناقضات ، هي القصيدة و تطلعات الآخرين الذي يغصّ و يختنق لو فارقهم يوماً ، هـم مكونات الوطـن و الروح و غذاء العصب و كرامة العقل .
ربما يصدق القول بأن الشاعر لا يعي ما يقول إلا أن هذا نتيجة تراكم الانفعالات و القضايا و الإشـكالات .. إنه الوعي الذي يثبت وجود الشاعر و يجعله متمسكاً بهمه و حلمه و قضاياه ، و هو الذي يربحه في مقياس الوجـود و معياره و هذا هو التجاوب إلى القوى الخفية التي اختلف الكثيرون على تسميتها فمنهم من يقول قـوى شـيطانية و منهم من يقول قوى إلهية و هذا التعبير الصدق كما ترتب قليلا عند أفلاطون و كثيراً عند بودلير .. و عند أحمد الدر يس ليعلن : ( من ترى يرفع السيف ؟! ــ من يفتح الجرح ــ كي ينفجر نهر الصديد ــ و يعلن أن كليباً سينهض منتضياً للنزال جريد النخيل ــ ينادي : ألا أين جساس بن بوش الصغير ؟ ــ دم بدم و ليكن ما يكون ـ ألا أين كل الغزاة الذين يرشون ماء الورود أمام رعاة البقر .. )
و لأن الشعر هو الجحيم أحياناً الذي يصل إلى درجة الرغبة في العقاب و هـو المتمرد في وجه العوائق فينفلت أحيانا من عقلانيته استجابةً للقلب فلم يعد الشاعر لأي قناعة سوى قناعة روحـه المتألمة فيخـرج ليمثـل القدامى و المعاصرين و الجائعين و الحالمين و الآخرين ، يمثل القمح إذا جافاه المطر و الطيور في السماء : أحلام الحرية القادمة ، إنه الشاعر الذي يثق أن جساس بن بوش سيلقى حسابه عاجلاً من آجلاً على يد من يخصّه ، فالتراب يكسب ناسه انتفاضة تستيقظ في وقتٍ ما كالقصيدة دون استئذان أو جواز سفر .
و يعود إلى نفسه ليبكي الخيبة و بمرارة و أسى ، و ما أقسى على النفس الحرة إذا حاصرها البكاء ، فتتكوم حول قصيدتها لتعترف بمهانة الأهل و الأقرباء .. و أين يكتب قوله : ( قمر بغدادي ، و ندامى ــ يلقون على أشجار النخيل رداء الروح ــ يغنون عتابا ـــ حتى يموت النايل من قطرة دمع ــ لم يبق بقعر الكأس سوى جرعة نصر و عناقيد الموت اكتنزت من خمر النكسة ــ و على جسر الأحلام نواسي يعبر نحو الكوخ خفيفاً يهزأ من قناصٍ أمريكي ـــ و عميل يتخفى بعقال وطني ــ ليصل إلى قوله :
كثيرون مثلي يجيئون من موتهم ــ يركبون المطايا ـــ إلى جنة يتناسل فيها الطغاة ملائكة ــ يذبحون على شرف الغانيات قطيعاً من الفقراء .. ) إنه تسلل إلى داخله شيئاً فشيئاً ليخرج الرحمة و يكون فوق أسراره دون أن ينسى أو يتخلص من موروث تجربته محاطاً بأحلامه التي يجب أن تحقق ذاته منفذاً عشقه بكل ما يملك من أدوات مدافعاً عنه و عن وجوده .. يتوه في الأضواء و يجن في مساحة العقل ليقاتل الانحطاط ، فاكتشف و أنا أقرأ ديوانه بأنه يصرّ على البقاء حيث يمتد جذره و يستريح انتماءه : ( يا أبي من زمان ــ و هم يطلقون عليك كلاب البراري ــ تكرر مشهد ذبحك بالناب ــ قاومت عنك بسيف النباح .. ) .
و يقف ليتفيأ بالحزن و يجثو على مخمل الشوك ، يسقط الأقنعة ، يدافع عن أبيه و قومه و وطنه هناك في الصحراء الممتدة من جرح العراق إلى نزف العروبة ، لا يؤمن بالأجزاء و لا بالانهزام في قصيدة متكاملة الوحدة مترامية الأطراف على نغم حزين يذكرني إلى دمي بقول لامورت : ( من الأسهل للمرء أن يعبر من الحد الأقصى إلى الحد الأقصى ، من أن يعبر درجة درجة )
هو الذي يريد أن يبدأ من الأقصى إلى الأقصى ليخبئ وطنه في جراحه العريضة ــ و تبقى كلمة : ربما يخطر في بال قارئ لماذا تعاملت بهذا الحب مع هذه القصيدة ؟!
أقول : لأنها من القصائد القليلة التي لا تعرف الكره لعربي و أنا دمي للعروبة .

Admin
Admin

المساهمات : 145
تاريخ التسجيل : 02/07/2008

http://alkhaled.yoo7.sy

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى