واقـع الـدراما السـورية
صفحة 1 من اصل 1
واقـع الـدراما السـورية
واقـع الـدراما السـورية
بقلم محمد خالد الخضر
إن الإنسان بما يملك من مقدرة عقلية و خيال مجنح ، يمكن أن يكون واقع حياته ، و إدراك الكاتب بإحساسه المزدوج و المكون من التفكير و التخيل المنفتح و المتحرر يمتلك المقدرة على الخلق في ابتعاد كلي أو عكس ذلك ، عما هو حوله ليستحضر الواقع الجميل الذي رسمه في خياله الممتد ، و لعل بعض النصوص تعزز فكرتها في نفس و ضمير المتلقي و تدخل إلى قلبه ما شاءت أن تدخل حاملةً في طياتها ما تذهب إليه في ذات المؤلف و المخرج ، و هناك نصوص لا يتعدى دورها و غايتها الكسب المادي و ظهور الاسم على شاشة التلفزة دون المقدرة على اتخاذ أي قرار يؤدي إلى فكرة تخـدم المصلحة الإجتماعية .. و هنا المصلحة الإجتماعية يجب أن تتجلى في انعكاس السلبيات الموجودة في تقاليد و عقليات المجتمعات و التي بدورها تعيد المجتمع إلى الوراء بـدلاً من أن تدفع به إلى التطور و إلى معرفة ذاته الإنسانية المكونة من القيمة السامية و العاليـة .
هذا ما ألفناه في مسلسل ( أسياد المال ) الـذي تشـعبت فـكـره و مواضيعه مستمّدة من التخلّف الإجتماعي و التخلف الديني أي فهم الدين بشكل خاطئ و التخلف الأخلاقي و الإنهيار الثقافي في حبكة درامية استطاع المخرج يوسف رزق و الكاتب هاني السعدي أن يخرجا تماماً من حومانة التاريخ التي كان قد تكرر تورط هاني السعدي فيها و قدمها سابقاً بما يسمى بـ ( الفانتازيا التاريخية ) و هي كلمة فرنسية تعني ( الإبداع التاريخي ) مثل ( الجوارح ـ الكواسر ـ البواسل ـ ... ) التي مؤداها تشـويق البسطاء و تضخيم ذاتهم عكس ما ذهب إليه هو و المخرج في ( أسياد المال ) الـذي يرينا واقـع التخلف العربي أمامنا بأسلوبٍ شائقٍ يجعلنا نـدرك كيـف تقـرع نواقيـس الخطر ، و أسـاوي بالقيمة الإجتماعية مسلسل ( الوزير و سعادة حرمه ) و مسلسل ( الأستاذ ) مما يدلنا على ارتفاع مستوى الخط البياني الدرامي الذي يعود الفضل فيه إلى ثقافة الكاتب و الفنان السوري و تميزه عن غيره في البلدان الأخرى .
و حضور الموهبة في مسلسل ( غزلان في غابة الذئاب ) جعل مقدرة الكاتب و المخرج على إظهار القيم الجمالية من خلال معايشة الحدث و نقله إلى عالم فني آخر ضمن حوار يرتكز جل ارتكازه على استطاعة الكاتب و قدرته في إيجاد حبكة بوسعها أن تجعل الرائي يترتب في تسلسل حلقات متلهفاً لمصير الغلط الفادح الذي يحلم كل فرد في المجتمع أن يعيش بعيداً عنه ..
و ظاهرة الإنتقاء ضمن المعايير القياسية التي جعلت المخرج يتمكن من ترتيب الشكل الإبداعي بما يتوافق مع الحالة الإحساسية للمثل ، و إسقاط الأدوار المترتبة على دواخل الممثلين ، حيث ظهرت على الوجوه إمكانات رائعة تجلّت في دور ( قصي خولي ) الذي تمكن ببراعة أدائه أن يقدم شخصية ابن المسؤول الفاسد و التي يدور المسلسل عليها و هي موجودة بكثرة في عالمنا العربي .. إلا أن الكاتب صمم أن يكون الخير مهزوماً في المسلسل بحالة من الإقناع تلقاها المتلقي بعين الرضا نظراً للبراعة الموجودة في عمل المؤلف و المخرج و أداء الممثلين و يغفر للمسلسل الخاتمة السلبية أنه كشف كثيراً من الممارسات الزائفة مثل : دور قارئة النجوم و الفلك و ضحيتها التي أخذت دورها ( عبير شمس الدين ) و تمثل كثيراً من النساء اللواتي يجلسن يومياً أمام شاشات التلفزة تاركات أعمالهن لإنتزاع كلمة تبـل الغليل حيال الزوج المنغمس في القهر و تحصيل ثمن لقمة العيش و المشكوك بأمره دائماً ـ إلا أن الزوج في المسلسل مختلف ، هو مـن دعائـم الفساد الذي تـرك زوجته تنشغل ليقوم بما هو راغب فيه و النتيجة سقطت المعايير و لـم نعـلم كيف سـنحل مشكلة ما هـو قائـم ؟!
لقد عاد سامر ( قصي خولي ) بأداء درامي فائق و دوره امتداد للبداية فهل ثمة نهاية نأمل بها .
بيد أن مسلسل باب الحارة ) حظه قليلٌ هذا العام .. لقد ظهرت بوادر الضعف من خلال الحبكة التي انهزمت أمام السرد العادي الذي اعتمد على إحضار عـادات و تقاليد من شأنها أن تذكر بالقيـم البائـدة في زمن الفضائيات ، و بعد هنيهات فاجئنا المؤلف بالتناقض الجارح عندما انهارت كـل التقاليد ـ المحبة و الألفة و الأخلاق عندما أقدم حكيم الحارة على طلاق زوجته التي كانت نموذجاً للمـرأة الرائعة إرضـاءً أو نزولاً منه أمام هيبة الزعيم صاحب الشخصية الإيجابية ، و بقاء المرأة الشريرة !
إلا أن بعـض المسلسلات بصفتها الأدبيـة اسـتطاعت أن تعـلن و بكـل جـرأة شرعيـة القيم المهيمنة في المجتمعات العربية متجـاوزة الحالة الكلاسـيكيّة المتبعة سـابقاً و التي أشـرت إليها في الكواسـر و البواسـل و .. و أمثالها في تقديـم النص الواعـي المفتقد أحياناً للحـذر في معالجة الإشكال الجـزائي أو التصدي للجريمة بمادة جزائية خالصة تشير إلى أن كاتب النص و المخرج قليلاً ما يكون لديه إطلاع على المادة القانونية في كثيرٍ من المسلسلات التي رأيناها على الشاشة الصغيرة ، فالنقيب لا يجوز أن يكون بعمر العميد و بينهما تراكم من السنوات و الرتب ، كما أنه لا يجوز للعقيد أن يكون رئيساً للمخفر الذي ملاكه مساعد أول ، و غالباً يضعف التفريق بين التوقيف الإحترازي أو المؤقت و التوقيف التحقيقي ، و يكثر الخلط بين استجواب النيابة و بين استجواب قاضي التحقيق و انعدام الربط بين قاضي التحقيق و الإحالة مع عدم معرفة و فهم دور الثاني الحاسم في القضية التحقيقية ، و إذا كانت قد تحلّت المسلسلات المعروضة بالجرأة و عرض المعيارية السائدة فإنها غيّرت الحالة التجديدية و البديلة و طرحت أشياء ترتبط بالموضة و كثيراً ما يأتي الإنسان النبيل بشعر مجدول أو طويل أو سكسوكة أو قليلاً من الشعر على شفته ، مما يؤدي إلى رسوخ بعض هذه الأشياء التي لا لزوم لها لتنعكس فريدة دون المحتوى و المضمون على السلوك المحصور بأبناء جيلٍ بات التلفزيون هو أداته التثقيفية الوحيدة ليعرض أحياناً بعض الشكليات المرفوضة مما ينفـّر من مصداقية العمل التلفزيوني .. فعانينا قليلاً من هذه الحالة ، لأن كل الذين يهتمون بأشكالهم و مظاهرهم الزائدة في مسلسلٍ أو سواه كانوا من ( العشيقة ) و لا يوجد لديهـم اهتمام سوى بهذا الأمـر .
في نهاية المطاف اسـتطاعت الدرامـا السـورية أن تخـرج من إطـار التقليد و الإبداع التاريخي المزوّر و تزييف صورة التاريخ و الواقع إلى ساحة المعركة بكل جدارة .
إنها حالة إيجابية . مجموعة من الكتاب و المخرجين و الممثلين يتصدون لفسادٍ ما ـ تعالوا معاً نبدأ بأنفسنا و ننطلق حتى تبقى المصداقية مصانة .. الطريق طويل إنه أمانة في أعناقنا نحن المبدعين .
بقلم محمد خالد الخضر
إن الإنسان بما يملك من مقدرة عقلية و خيال مجنح ، يمكن أن يكون واقع حياته ، و إدراك الكاتب بإحساسه المزدوج و المكون من التفكير و التخيل المنفتح و المتحرر يمتلك المقدرة على الخلق في ابتعاد كلي أو عكس ذلك ، عما هو حوله ليستحضر الواقع الجميل الذي رسمه في خياله الممتد ، و لعل بعض النصوص تعزز فكرتها في نفس و ضمير المتلقي و تدخل إلى قلبه ما شاءت أن تدخل حاملةً في طياتها ما تذهب إليه في ذات المؤلف و المخرج ، و هناك نصوص لا يتعدى دورها و غايتها الكسب المادي و ظهور الاسم على شاشة التلفزة دون المقدرة على اتخاذ أي قرار يؤدي إلى فكرة تخـدم المصلحة الإجتماعية .. و هنا المصلحة الإجتماعية يجب أن تتجلى في انعكاس السلبيات الموجودة في تقاليد و عقليات المجتمعات و التي بدورها تعيد المجتمع إلى الوراء بـدلاً من أن تدفع به إلى التطور و إلى معرفة ذاته الإنسانية المكونة من القيمة السامية و العاليـة .
هذا ما ألفناه في مسلسل ( أسياد المال ) الـذي تشـعبت فـكـره و مواضيعه مستمّدة من التخلّف الإجتماعي و التخلف الديني أي فهم الدين بشكل خاطئ و التخلف الأخلاقي و الإنهيار الثقافي في حبكة درامية استطاع المخرج يوسف رزق و الكاتب هاني السعدي أن يخرجا تماماً من حومانة التاريخ التي كان قد تكرر تورط هاني السعدي فيها و قدمها سابقاً بما يسمى بـ ( الفانتازيا التاريخية ) و هي كلمة فرنسية تعني ( الإبداع التاريخي ) مثل ( الجوارح ـ الكواسر ـ البواسل ـ ... ) التي مؤداها تشـويق البسطاء و تضخيم ذاتهم عكس ما ذهب إليه هو و المخرج في ( أسياد المال ) الـذي يرينا واقـع التخلف العربي أمامنا بأسلوبٍ شائقٍ يجعلنا نـدرك كيـف تقـرع نواقيـس الخطر ، و أسـاوي بالقيمة الإجتماعية مسلسل ( الوزير و سعادة حرمه ) و مسلسل ( الأستاذ ) مما يدلنا على ارتفاع مستوى الخط البياني الدرامي الذي يعود الفضل فيه إلى ثقافة الكاتب و الفنان السوري و تميزه عن غيره في البلدان الأخرى .
و حضور الموهبة في مسلسل ( غزلان في غابة الذئاب ) جعل مقدرة الكاتب و المخرج على إظهار القيم الجمالية من خلال معايشة الحدث و نقله إلى عالم فني آخر ضمن حوار يرتكز جل ارتكازه على استطاعة الكاتب و قدرته في إيجاد حبكة بوسعها أن تجعل الرائي يترتب في تسلسل حلقات متلهفاً لمصير الغلط الفادح الذي يحلم كل فرد في المجتمع أن يعيش بعيداً عنه ..
و ظاهرة الإنتقاء ضمن المعايير القياسية التي جعلت المخرج يتمكن من ترتيب الشكل الإبداعي بما يتوافق مع الحالة الإحساسية للمثل ، و إسقاط الأدوار المترتبة على دواخل الممثلين ، حيث ظهرت على الوجوه إمكانات رائعة تجلّت في دور ( قصي خولي ) الذي تمكن ببراعة أدائه أن يقدم شخصية ابن المسؤول الفاسد و التي يدور المسلسل عليها و هي موجودة بكثرة في عالمنا العربي .. إلا أن الكاتب صمم أن يكون الخير مهزوماً في المسلسل بحالة من الإقناع تلقاها المتلقي بعين الرضا نظراً للبراعة الموجودة في عمل المؤلف و المخرج و أداء الممثلين و يغفر للمسلسل الخاتمة السلبية أنه كشف كثيراً من الممارسات الزائفة مثل : دور قارئة النجوم و الفلك و ضحيتها التي أخذت دورها ( عبير شمس الدين ) و تمثل كثيراً من النساء اللواتي يجلسن يومياً أمام شاشات التلفزة تاركات أعمالهن لإنتزاع كلمة تبـل الغليل حيال الزوج المنغمس في القهر و تحصيل ثمن لقمة العيش و المشكوك بأمره دائماً ـ إلا أن الزوج في المسلسل مختلف ، هو مـن دعائـم الفساد الذي تـرك زوجته تنشغل ليقوم بما هو راغب فيه و النتيجة سقطت المعايير و لـم نعـلم كيف سـنحل مشكلة ما هـو قائـم ؟!
لقد عاد سامر ( قصي خولي ) بأداء درامي فائق و دوره امتداد للبداية فهل ثمة نهاية نأمل بها .
بيد أن مسلسل باب الحارة ) حظه قليلٌ هذا العام .. لقد ظهرت بوادر الضعف من خلال الحبكة التي انهزمت أمام السرد العادي الذي اعتمد على إحضار عـادات و تقاليد من شأنها أن تذكر بالقيـم البائـدة في زمن الفضائيات ، و بعد هنيهات فاجئنا المؤلف بالتناقض الجارح عندما انهارت كـل التقاليد ـ المحبة و الألفة و الأخلاق عندما أقدم حكيم الحارة على طلاق زوجته التي كانت نموذجاً للمـرأة الرائعة إرضـاءً أو نزولاً منه أمام هيبة الزعيم صاحب الشخصية الإيجابية ، و بقاء المرأة الشريرة !
إلا أن بعـض المسلسلات بصفتها الأدبيـة اسـتطاعت أن تعـلن و بكـل جـرأة شرعيـة القيم المهيمنة في المجتمعات العربية متجـاوزة الحالة الكلاسـيكيّة المتبعة سـابقاً و التي أشـرت إليها في الكواسـر و البواسـل و .. و أمثالها في تقديـم النص الواعـي المفتقد أحياناً للحـذر في معالجة الإشكال الجـزائي أو التصدي للجريمة بمادة جزائية خالصة تشير إلى أن كاتب النص و المخرج قليلاً ما يكون لديه إطلاع على المادة القانونية في كثيرٍ من المسلسلات التي رأيناها على الشاشة الصغيرة ، فالنقيب لا يجوز أن يكون بعمر العميد و بينهما تراكم من السنوات و الرتب ، كما أنه لا يجوز للعقيد أن يكون رئيساً للمخفر الذي ملاكه مساعد أول ، و غالباً يضعف التفريق بين التوقيف الإحترازي أو المؤقت و التوقيف التحقيقي ، و يكثر الخلط بين استجواب النيابة و بين استجواب قاضي التحقيق و انعدام الربط بين قاضي التحقيق و الإحالة مع عدم معرفة و فهم دور الثاني الحاسم في القضية التحقيقية ، و إذا كانت قد تحلّت المسلسلات المعروضة بالجرأة و عرض المعيارية السائدة فإنها غيّرت الحالة التجديدية و البديلة و طرحت أشياء ترتبط بالموضة و كثيراً ما يأتي الإنسان النبيل بشعر مجدول أو طويل أو سكسوكة أو قليلاً من الشعر على شفته ، مما يؤدي إلى رسوخ بعض هذه الأشياء التي لا لزوم لها لتنعكس فريدة دون المحتوى و المضمون على السلوك المحصور بأبناء جيلٍ بات التلفزيون هو أداته التثقيفية الوحيدة ليعرض أحياناً بعض الشكليات المرفوضة مما ينفـّر من مصداقية العمل التلفزيوني .. فعانينا قليلاً من هذه الحالة ، لأن كل الذين يهتمون بأشكالهم و مظاهرهم الزائدة في مسلسلٍ أو سواه كانوا من ( العشيقة ) و لا يوجد لديهـم اهتمام سوى بهذا الأمـر .
في نهاية المطاف اسـتطاعت الدرامـا السـورية أن تخـرج من إطـار التقليد و الإبداع التاريخي المزوّر و تزييف صورة التاريخ و الواقع إلى ساحة المعركة بكل جدارة .
إنها حالة إيجابية . مجموعة من الكتاب و المخرجين و الممثلين يتصدون لفسادٍ ما ـ تعالوا معاً نبدأ بأنفسنا و ننطلق حتى تبقى المصداقية مصانة .. الطريق طويل إنه أمانة في أعناقنا نحن المبدعين .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى