منتديات الخالد الثقافية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

دراسة في ديوان بستان عائشة للشاعر العربي عبد الوهاب البياتي

اذهب الى الأسفل

دراسة في ديوان بستان عائشة للشاعر العربي عبد الوهاب البياتي Empty دراسة في ديوان بستان عائشة للشاعر العربي عبد الوهاب البياتي

مُساهمة  Admin الثلاثاء يوليو 08, 2008 4:21 pm

دراسة في ديوان بستان عائشة للشاعر العربي عبد الوهاب البياتي
بقلم : محمد خالد الخضر
بعيداً عن الترف , و قريباً من الروح , و بين آلام و أوجاع المنكوبين , تطلع قصائد تختلف كثيراً عن سواهاً. تجعلك تحلم بينها و تحلم , و ثمة حلم قد يتحقق نتيجة مخاض و وجع إنساني .
قلائل هؤلاء الشعراء فأنا أحبهم كثيراً حتى الوجع , واحد منهم و من أهمهم الشاعر العربي الكبير عبد الوهاب البياتي الذي أماته الوجع كما أمات أمل دنقل و كمال ناصر و غسان كنفاني , و إن اختلفت الأداة و الوسيلة لكن النتيجة و الغاية واحدة موحدة مترابطة .
أما عبد الوهاب البياتي صديق نزيفي القديم الذي اعتدت أن أعود إلى أشعاره كلما وجدت فقيراً بالشارع يحلم بالرغيف , و كلما وجدت على شاشة التلفاز طفلاً تحمله الدموع إلى مثواه ما قبل الأخير , لأن مآله فضاءات الجنة و رحاب الله الواسعة التي تسكن ذاكرة القداسة .
أتمنى أدرس كل شيء كتبه و لابد لي أن أفعل ذات يوم , هي يدي و هذا قلبي و ذاك بينهما بستان عائشة , واحد من بساتين البياتي الذي يزينه نخيل بغداد و قمر شيراز ولابد لي أن أترك عواطفي قليلا و أحاول الاقتراب من أشياء الشاعر عبد الوهاب البياتي , حيث يقدم نوعاً من التقنية التي تميزت بنظام بنيوي يتفرد به قليل من الشعراء , ذلك السهل الممتنع الذي تتميز لقطته الشعرية بوحدة الموضوع التي تعتمد العاطفة والإحساس تاركاً زخرفات التصنع في حال عدم الاضطرار إليها و لأنها كثراً ما ترهق القص الشعري الذي يطلع من الانفعال و الألم الذي يعم شره على الإنسان غية الشاعر الحقيقي و مبتغاه ... يقول البياتي في مقطوعة تحمل عنوان ,من أوراق عائشة : قالت : سأقتله ... و أحمل رأسه لقبيلتي
صنماً لتعبده ... و تحرقه , إذا اقتتلت
و في الصحراء أبني معبداً للحب ... يحمل اسمه
إن البنية الشعرية التي اشتغل فيها البياتي تذكر القارئ بعمر أبي ربيعة مع فارق التشبيه التربوي , وبعمر أبي ريشة ونزار قباني من حيث بنية القصيدة الاجتماعية عند نزار والعاطفية عند عمر ويلتقي الجميع بالارتكاز على الكم والكيف , حيث الأولى تبدأ خلالها عملية تراكم الألم أو الفرح أو الحالة العاطفية التي يفترض أن تبنى عليه القصيدة ,فتبدأ بالقراءة لتجعلك المرحلة الأولى تلتصق بالثانيةإلى الخاتمة .
فالمقطوعة الشعرية التي أتيت بها يشعر القارئ أنه لابد من إحضار بقيتها ونرى
قوله مثال ذلك :
تأوي إليه الطير , في زمن المجاعة ... أرتدي الأسمال ... أعقر ناقتي ...
في باب معبده أنوح .
قالت : سأحمله ...إذا مرت عصور خاتما في إصبعي
وأنوح في جوف الضريح.
هنا يجد القارئ أن الحالة الشعرية اكتملت ونضجت , وهذا ما يدل على تكامل وتماسك وحدة الموضوع , ويتجاوز البياتي حالة الشكل ليدخل في صميم العاطفة ويرسم الجرح بتقنية فنية ليكون كما يوصف في مقدمة رواد الحركة الشعرية الحديثة
و كون البياتي شديد الالتصاق بالمنكوبين و المجروحين فإن قصيدته تحتاج إلى تحقيق التوافق و الانسجام مع الموسيقى الداخلية والمرتكزة على النظام المعروف مع الاحتفاظ بحية عدد التفعيلات وطبيعة حركتها . . يقول البياتي :
الناي يبكي : إنها الغابات , تبحث , سيدي عن قوتها في باطن الأرض العميق .
الناي يبكي : إنها ريح الخريف .
الناي يبكي : إنها الأبراج داهمها الحريق .
الناي : إنسان يقاوم موته , موت الطبيعة و الفصول .
و لأن الشاعر استخدم تقنية أخرى بعيدة عن الإغراق في الرمز , استخدم الإيقاعية الداخلية و المعقدة التركيب و سهلة الوصول , وتختلف تماما عن القصيدة المزخرف بلا مضمون , فاعتمد على انسياب المعنى بشكل متدفق و عاطفي يتوحد و ينسجم المعنى التي تقوم عله مهمة الشعر مع النغمة الموسيقية بشكل حيوي فيدخل القارئ في مناخ عاطفي يحرك ماهو بداخله عبر التكثيف الكامل دون قصد أو تخطيط , تنشط عفويتها ذاكرة المتلقي ليصل إلى الاستقرار النفسي حيال ما يشغل عواطفه و باله , و لابد من الإشارة على أن طريقة قفل المقطع أو الشطر يخلق شكلاً أو حالة منسجمة مع القصيدة و المفردات و البقاء النص و الاحتفاظ بذكرياته الحساسة , و يعمل البياتي خلال توافق القوافي و ترتيبها على الاهتمام بالقيمة المعنوية لفكرته المنشودة على أساس يشعرك أن أنسنة الأشياء و المفردات المستخدمة لديه و القضايا الرثائية لاتخص فداً بعينه , بيد أن المقصود ضمير الإنسان , و الأكثر أهمية الإنسان المسحوق و المظلوم و الذي لا يجد من يطالب له بشيء من حقه , يقول البياتي : قالت : "ستموت غداً , مسموماً في المنفى أو مذبوحاً في سكين صديق أو مخبر سلطان"
قال مخنث بابل : "أنت الآن .... مأسور , باسم الشعراء الخصيان" .
وإذ تتنوع المواضيع تتجلى القدرة الدرامية و تتصاعد العاطفة مع الزمن الشعري وفق التجربة أو النسيج المشغول في بنائه و تركيبه , و على تعدد الوحدات المشكلة للنص , فتأتي الوحدة الكلية لتشعر القارئ أنه أمام بناء متكامل حتى و لو كان المقطع يتكون من عشرة كلمات أو أقل أو أكثر بقليل وفق الشروط أو الأسس الخاصة بالمقطوعة وصولاً إلى غاية الشعر و ضرورة التصاق ما يأتي به بعوالمه المحيطة أو بناسه ... يقول البياتي :
وجهك في المرآة : وجهان
فلا تكذب .
فإنً الله . .. يرك في المرآة .
و ثمة خرق أقدم عليه الشاعر من حيث البنية التقليدية و اعتماد الوزن , وفي أغلب الأحيان القافية ليوجد شكلاً أو أنموذجا جديداً يهيمن على ذوق المتلقي , و على تقديم جمالية أخرى تبعا لقدرته و حسن استخدامه لموهبته الأخاذة .
كما أنه يبتعد عن الوقوف غالباً داخل القصيدة أو النص لأنه يشعر في بعض الأحيان أن ذلك يؤدي إلى الضعف و النفور أو الانكماش لأن القارئ رفض بشدة قصيدة الحداثة أيام ولادتها الأولى , كما يغلب على البياتي المحاولة الجادة بعدم اختراق الوزن كما فعل كثير من الشعراء , , إذا اضطر إلى ذلك فلابد من الخروج إلى تفعيلة أخرى تجعل القارئ يحتفظ باحترامه للانسياب العاطفي الذي كان قد انسجم معه ... يقول البياتي في مدن الخوف :
مدن تعيش على الإشاعات / الأكاذيب / الأقاويل / الخواء .
و على دم الإنسان و الحق المضاع .
و تنام في خوف على باب الطواغيت الصغار .
و بعضوها / المذياع / تفتح ما تشاء .
و برغم ما يظهر من هدوء على قصيدة البياتي , إلا أن الصدق الكامن في أعماق النص الشعري لديه يجعل المتلقي يتلمس المفردات و المقاطع فيراها مشحونة بتكثيف معبر خلال الزخم الطالع من الإحساس المكون عواطف الشاعر الذي يأبى إلا أن تكون منسوجة من عواطف الإنسان و همومه , لهذا تأتي كلماته و مفرداته الشعرية مليئة بالدهشة برغم من تخيل القارئ أن الثورة هادئة في شعره , و الوقع أنها أقدر من غيرها على التحريض لما تملكه من زخم و عاطفة صادقة .. يقول :
يتوهج في نور المشكاة .
متحداً في ذات الله .
لا / مثل شعوب الأرض .
يتحدى في ثورته الموت .
و من هنا نجد أن النص الشعري يحمل في دواخله خفايا تلامس الجرح المقابل , تشتعل فتوقد ناراً ثم تذهب إلى مكانها كالنيازك , و لابد مكن أن تدرك أن الشاعر هنا ابتعد عن التشتت و الرمز و الضياع , فهو يدرك أن القصيدة الغارقة بالرمز منهزمة تماماً فلا أثر لها على فرد أو على جماعة مهما تمادى الإدعاء أو تطاول ... فالبياتي حاضر تماماً في الشعر الرشيق , يستخدم أدواته و يعبر عن مكنوناته و هو متمكن من خلف الحالة التي تدخل التاريخ حتى و لو اتهمت بالوضوح فلابد لأي قارئ أن يتريث قليلاً البنى الأخرى الدالة على متانة البنى التحتية لقصيدة قوامها الإنسان .
يقول البياتي في بستان عائشة :
بستان عائشة على الخابور .
كان مدينة مسحورة
عرب الشمال .
يتطلعون على قلاع حصونها , و يواصلون البحث عن أبوابها .
و يقدمون ضحية للنهر في فصل الربيع .
لعل أبواب المدينة تستجيب لهم .
و هنا تكمن القيمة الجمالية التي ترتكز عليه القصيدة من حيث ما تحتوي من تلاحق المعاني و الصور التي ترتبط ببعضها بشكل وثيق مع القوة الدلالية و النسيج المؤسس لقصيدة يشعرك البياتي أنك من المفترض أن تتلمس كيانها كاملاً في تجربته العريق و الأصيلة ... فلماذا لا نكمل قوله في بستان عائشة وهو يقول ؟ :
فتفتح كلما داروا / ....... اختفى البستان ...... و اختفت الحصون .
فإذا خبا نجم الصباح .
عادوا إلى "حلب" لينتظروا ..... و يبكوا ألف عام .
فلعلهم في رحلة أخرى إلى الخابور
يفتتحونها ... و لعلهم لا يفلحون .
ألا يشعر القارئ بشيء غريب ربما تدفعه الدهشة للبكاء أو اليأس أو الأمل ... و أخيرا: لقد مات عبد الوهاب البياتي و هناك في قاسيون على جرح ما احتضنته عريشة ياسمين و طارت إلى بستان عائشة ليخلدا معاً .

Admin
Admin

المساهمات : 145
تاريخ التسجيل : 02/07/2008

http://alkhaled.yoo7.sy

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى