قراءة نقدية في ديوان مجموعة أناشيد السفر المنسي للشاعر الدكتور : ثائر زين الدين. بقلم : محمد الخضر

الشاعر الثلاثاء سبتمبر 23, 2008 11:57 am

قراءة نقدية في ديوان مجموعة أناشيد السفر المنسي للشاعر الدكتور : ثائر زين الدين.

بقلم: محمد خالد الخضر
بعض من الشعر يختلف في استنباط تعريفه ويبهرك صاحبه إلى حد يحار الناقد أمام شفافيته وأمام عصيانه فلا يجد له مخرجاً إلى تعريف, ترتبط الفكرة بـالصورة لتخترق العين بطريقة ساحرةإلى مكانها,هي حقائق وليس كما يفعل الآخرون( المنهزمون) أمام المدى الشعري والقدرة على كتابته, أجل هي حقائق ترتكز على تأملات تخرج من الجذوةة ومن الأعماق وبقدرة الشاعر الموهوب تكشف العلاقات والروابط بين الأحداث الموجودة على الجرح , والمرسومة على الذهن البشري يخيل للقارئ أنها بعيدة الارتباط عن العالم غير أنها وثيقة العلاقة بين الذات الشاعرة والمجتمع المحيط الذي يلقي بهمه وثقل أعبائه على كاهل شاعر منحه الله مايميز عن سواه. ترتبط مجموعة الشاعر ثائر زين الدين " من أناشيد السفر المنسي " ارتباطاً ليس معقولاً فيما أرمي إليه مجموعته التي استهلها بقصيدة عنوانها:" بين المتنبي وخصومه " يـقـول الـشــاعـر:

ضيعت عمـرك خـلف أوهام الإمــارة
ضيعت عمرك مااسترحت ولا أرحت:
مـن الـعـراق إلـى الـشـآم ,
مـن الـشـآم ‘إ لـى الـكنـانة
مـن ذا يـبـيع إمـارة بالـشعر !!
مـن يهـديك أسـيـافـاً, لتشهرها عليه !
والقصيدة الناجحة عبارة عن كلمات مؤلفة من حروف كون هذه القصيدة مكونة كما أسلفت من كلمات ووصلت إلى مرحلة معقدة التركيب منها ســر عظمة القصيدة لأن الذي يبقى على الذاكرة والذهن هي هذا المكون من أفكار قوية الدلالة بعيدة المدى يقول ثائر زين الديـن :
هـذا أنا" بعت الضلالة بالهدى "
بعت الأحبة بالوطـن !
وطني أنا
وطن الخرافة والطرافة و"الشطارة " والشجـن .
ولعلنا نجد أن الشاعر من خلال استخدامه للكلمة والموسيقا الشعرية استطاع أن يأتي إلينا بحلقة مفقودة تهفو الروح بالإشارة إليها كونها سبباً لابتحاث حالة تؤدي إلى ارتياح ما على الساحة العصبية المتبعة و الجائعة إلى شيء يبعدها عن أمور متراكمة أدت إلى ارهاقها و عندما يتمكن الشعر من أداء هذه المهمة تجده متمكنا من ربط قارئه بالزمان و المكان , و هما مهمان على ساحة الشعور فحوى القصيدة و ساحة الحالة التي من شأنها أن تعطي المعنى و يقال : بفضلها قال الشاعر قصيدة ... نقرأ للشاعر الدكتور ثائر زين الدين :
هو سندباد .
أبدا يطوف في جهات الأرض ...
ثم يعود مسكونا بنخل سامق ...
و بشرفة تغفو على كتف الفرات .
و لابد للشاعر من أن يشتغل على قصيدته حتى تصل إلى حد معقد يدخلها في السهل الممتنع و الشفافية الراقية فلابد من أن تصل الفكرة إلى القارىء سواء أكان هذا الوصل عن طريق الصورة بأنواعها أو عن طريقة النسيج البنيوي للقصيدة خلال الدلالات الوحية لمعنى النص المطروح .

وهنا بعد كل الجهد العذب الذي يقدمه الشاعرتشتغل التفسيرات و التقديرات التي يسببها الشاعر بمهارته إلا أن القارىء يبقى على سعادته العارمة عندما يتمكن الشاعر من اشغاله بما قدمه له على أن لا يكون هذا الإنشغال مؤديا في النتيجة إلى فساد الحالة بالضبابية أو التعتيم ويتمكن الشاعر من تقديم مالديه في المؤدى المطلوب وهذا ما لا يتعارض مع الإحساس بالشكل والمضمون يقول في قصيدته وجه :
وجهك ـ الساعة ـ طقس وثني
وهو ما يجعلني سيد هذا الكون
شفافا كروح
وجميلا كنبي
وهو ما يجعلني أجمع في كفي
شمس و قمر.
وهناك أنماط من الشعر تبقى على ساحة الذهن أكثر من سواها وهي التي تمتلك المؤثرات والمقومات والتي تشترط على حضورها الغنائية والصورة هي المؤثر بالإندفاع إلى السلطنة التي لا يدخل عليها مشوبات وهذا ما يجعل القصيدة الشعرية تختلف عن بقية الأجناس الأدبية التي تحتاج إلى سوية عالية للوصول إلى مقامها ,هذا والقصيدة المليئة بالإحساس والشجن والعواطف والإكتشاف تكون أقوى وهذه الأشياء بالضرورة القصوى لاتفشل أبدا الصوت المجلجل واللافت للشعور في نص الشعر الموجود لدينا وهذه قصيدةاغواء يوسف يقول فيها :
فإذا أظلمت الدنيا
ونام الناس والحراس
والزوج الخصي
ملأالبيت بكاه:
ويمتلك النص دلالات ومعاني أضيفت إلى الموسيقا المخفية وراء مقدرة الشاعرعلى اللعب بماهية الكلمات والحالة والقصيدة فليس جمال الرجل وحده هو اللذي يسقط المرأة في الغواية ربما هذا في معظم الأحيان ولايزيد ولاينقص ,ولكن هناك أشياء كثيرة كأن يهمل الرجل المرأة أوتهلكه نوازعه ونزواته أمام جبروتها الذي لايتوقف إلاإذا أوقف مشاعره وعواطفه أمامها قليلا.
والعاطفة القوية التي يمتلكها الشاعر هي محرك أساسي للشعور الذي هو أعلى درجات الفطنة والحدس والإكتشاف , وهو لايوجد إلا عند كرام النفوس يقول الشاعر في قصيدة لا شيئ يعنيني
وأحط كالدوري فوق الركبة اللمياء!
ثم أنقر الحب الذي خبأته في راحتيك
وهي اللغة التي ينفرد بها الشعر ولغته الراقية ,والتي تسمو على غيرها بتدفقها وخصوصيتهاهذا مايجعل لغة الشعر تختلف ولا سيما إذا إذا كانت المفردات والتراكيب المستخدمة هي باللغة العربية,والشعر هو خصوصية لها فلا نستطيع نقلها إلى لغة أخرى إلا نثراً وهذا مايتجلى بالقصيدة التي أوردتها لا شيئ يعنيني ,وهذا مايشير إلى أن تجربة الشاعر ومدى إبحاره يختلف عن سواه ففي الرمز والإيجاد وتقديم العاطفة واستشهد أيضاً بالمقطوعة الآنقة الذكر .
وفي قصيدة شاعر ما ينطبق على واقع الشعر على أنّ الصورة الشعرية لابدّ أن تكون تعابيرها عميقة وأصيلة وأسلوبها شائق بصفتهاانعكاس أشد تأثيرللبيئة والإنسان حيث يتّصف صاحبها الشاعر بالأكثر شعورا وأعمق رؤية في قصيدة حكاية يقول
ومضى سرب السنين .... والتقينا ذات صبح ٍ ماطرٍ في حافلة
حدثتني عن زواج ٍ رائع ٍ ,
عن طفلتين .
ويتوفر في القصيدة عند ثائر اشتعال العاطفة المرتكز على أصالتها ويستخدم قدرته في الأسلوب الي يجعل اللغة الفردة رشيقة سريعة التأثير ولا ينفصل أبداً المد الشعري عند ثائر عن عقلانيته المعهودة لذلك يجتمع الجانبان في نص وهذا مايجعل الحصيلة متوفرة عند القارئ الذي ينتظر من الشاعرصياغة الوجود بشكل غير مألوف تجعله مبهوراً وهذا ماذهب إليه /استوفر/ عندما عبر عن الشعر على أنه حسياًلأن الأفكار والعواطف يعبر عنها الشاعر بهذا الأمر وذلك مانجده في قصيدة أنت أحلى:
أنت أحلى من أمان ٍ تتحقق
أنت أحلى من غدٍ يرفع لي نخب نجاحاتي
ومن بستان أزهارٍ وزنبق
أنت أحلى من أحاديث الصغار
من طيور الذاكرة
أي جمالٍ هذا ذلك الجمال الذي يفوق طيور الاكرة ,وإذا تخيل الإنسان بمقدوره أن يعطيها جمالا لا مثيل له مزينا بالمظهر الجميل الذي يزيد رشاقته ذلك النغم وصولا إلى غاية قصوى هي القصيدة , و يحرص ثائر أن يخلص قصيدته من كل المعوقات حتى يكون خفيف الظل نقي الروح وهو يحلق فوق جراح قرائه لأن الشعر واحة الروح, و اسمح لنفسي أن اختم بمقطوعة من قصيدة شكرا لها يقول :
شكرا على بدر تسلل عبر شرفتنا
فغض الطرف من خجل
و غطانا بأجمل حلتين
ما هذا ياثائر ربما أحتاج إلى صفحات كثيرة لأبحر في حناياك ... هو المستقبل الجميل الذي يتعطر بهذا الألق السامي ... و لإني إذ حرصت على الحديث عن بعض ميزات شعرك فلم أكتف ,و لم أسهب .